Monday 12 August 2019

مقال: ما بين الحضارة و الهمجية ..محاولة للفهم



لعله من الأوفق ان ابدأ بما يعرف ال Terminology  أى شرح المصطلحات وتوضيح السياق المقصود منها بحيث لا يحتمل اى تأويل أخر غير المراد موضع النص او المجال.
الحضارة: Civilization "معجم المعانى الجامع":
الحَضارة (بفتح الحاء و كسرها) : الإقامة في الحضر .
سُكَّانُ الحَضَرِ : سُكَّانُ الْمُدُن وَالقُرَى
معنى الحضارة:
في اللغة العربية هي كلمة مشتقة من الفعل حضـر، و يقال الحضارة هي تشييد القرى و الأرياف والمنازل المسكونة، فهي خلاف البدو والبداوة والبادية، وتستخدم اللفظة في الدلالة على المجتمع المعقد الذي يعيش أكثر أفراده في المدن.
تعريف الحضارة: Definition of civilization
هنالك تعريفات عديدة للمصصلح نذكر منها:
·      " نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي و تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق"
·      "وصف للحالة والطريقة التي يعيشها الانسان منذ بداية معيشة البشـر في مدن و في مجتمعات"
·       هى "مفارقة المحسوس للمعنى"
·      عرّف المفكر مالك بن نبي الحضارة قائلاً "إنني أؤمن بالحضارة على أنها حماية للإنسان، لأنها تضع حاجزاً بينه وبين الهمجية". بالنظر إلى عناصر تركيبها الأساسية، وهي:( إنسان - تراب - زمن - حضارة).
مكونات الحضارة: Components of civilization  
-       الموارد الاقتصادية
-       النظم السياسية
-       القيم و الاخلاق
-       العلوم والفنون
اقدم الحضارات هى  التى قامت على ضفاف الانهار اى ما يعرف ب"الحضارات النهرية" وهى:
-        حضارة وادى النيل (السودان - مصر)
-       حضارة ما بين الرافدين (العراق)
-       الحضارة الصينية على ضفاف النهر الاصفر
-       الحضارة الهندية على نهر الجانج
-       حضارة المايا على نهر الامازون
و يقاس مدى تحضر الشعوب بدرجة الالتزام و الرقى بالعناصر التالية:
·      طرق العيش والظروف الطبيعية.
·      الوضع الاقتصادي.
·      العلاقات الاجتماعية بين فئات المجتمع.
·      أنظمة الحكم السائدة.
·      الإنجازات العلمية والثقافية والعمرانية.

الهمجية: Barbarism
الهمج: اسم "معجم المعانى الجامع":
الهَمَجُ : ذبابٌ صغيرٌ كالبعوض يقع على وجوه الغنم والحمير
الهَمَجُ : الرَّعاعُ من الناس لا نِظامَ لهم
الهَمَجُ : الحمقى
الهَمَجُ : سوءُ التدبير في المعاش
الهمجيBarbarian  الهمجي الشخص غير المتمدن أو غير المهذَّب. وأكثر ما يطلق في العربية على الذي لا نسب له أو حسبًا، ويكون من أراذل العامة، ويكون أقرب للوحشية، وغالبًا ما يقوم بأعمال فوضوية. إلا أن الإغريق أعطوه معنى آخر، حيث أطلقوه على كل الأجانب.
وأطلق الرومان فيما بعد الكلمة اللاتينية برباروس (الهمجي) على بعض الأقوام مثل القوط، والواندال، والهونيين المغول الذين عاشوا خارج الإمبراطورية الرومانية وقد دخل عدد من هؤلاء البرابرة في الإمبراطورية الرومانية. إما سلمًا أو بالقوة خلال القرنين الرابع والخامس، ثم أسهموا في تدميرها.
يقول الباحث الليبى: جمال الهمالي اللافي  فى مقال عن الهمجية:
"الهمجية كعقيدة وفكر وسلوك وممارسة تعتمد في منهجها على مبدأ إقصاء المغاير و رفض فكرة التعايش السلمي أو المساواة معه في الحقوق والواجبات، إلى درجة التصادم والتعدي عليه وإبادته عرقياً ومسخه ثقافياً و نهب مقدراته الطبيعية وإهدار موارده البشـرية في معاناة يومية تتعلق بالبحث عن لقمة العيش الكريم وشغلها بسفاسف الأمور" .
الهمجية عاملا رئيسياً  وسبباً في إنتشار مظاهر الفساد والجريمة والتحلل الخلقي والعدوانية والفوضى في أوساط هذه المجتمعات التي تحتلها. لتصل بها إلى مرحلة التدمير الذاتي لمقوماتها الثقافية ومحيطها البيئي، كتعبير عن شعورها بالغبن والتهميش والإهمال والظلم والإقصاء ومصادرة الحريات الذي تتعرض له من طرف المحتل الهمجي أو من طرف من يوظفه هذا المحتل كواجهة صورية".
الفرق بين الحضارة و الهمجية:
من الواضح ان الهمجية تشكلت كظرف تاريخى مرت به البشـرية إبان مراهقتها الفكرية أي بعد اكتسابها لقدر يسير من المعرفة، نسبة لعدم توفر معين معرفى مختلف المشارب حيث سادت الخرافة و الأساطير وغابت المعرقة الحقيقية كبوصلة موجهة لأخلاق و قيم المجتمعات.
سأورد بعض الفروقات بين الإنسان المتحضر و الهمجى:
·      الهمجى صاخب جدا يفرح بضجيج و يحزن بضجيج عكس المتحضر الذى سمته الهدوء ومراعاة عدم ازعاج الاخرين و نتيجة لذلك صارت من الحقوق ونصت عليها القوانين وتتم معاقبة المزعجين.
·      الهمجي تسيطر عليه الخرافات و الأساطير بشكل كبير  لذلك يعجز عن التحليل المنطقى الموضوعى بينما يميل المتحضـر  الى التفكير العقلانى، إلا أن  هذا لا منع وجود متحضرين متأثرين فكرياً بالخرافات وهذا يرجع الى نمط نظام الحكم السائد.
·      الهمجى شديد الإنكفاء على الذات و معتد بنفسه و قبيلته و نسبه كثيراً، يعيش فى محيطه الضيق بأنتماء شديد متبنياً قيم مجتمعه البسيط، اما المتحضـر فيبدو اكثر انفتاحاً و يتبنى قيم أكثر تسامحاً نتيجة لذوبان الكثير المعتقدات القبلية فى المدينة.
·      الهمجى يهتم بعميق بسفاسف الأمور  و الإحتفاء بالظواهر الخارقة و غالباً ثقافته سمعية متداولة ليس فيها إجتهاد على مستوى القراءة إو النقاش، أوكل مهمة التفكير لآخرين نيابه عنه سواء كان زعيم القبيلة أو رئيس أو رجل دين.
·      يرى الكاتب علاء الاسوانى ان هنالك عدة فروقات بين الهمجية و الحضارة أهمها أن المجتمع الهمجي لا يستمتع الناس  فيه إلا في إطار اللذة الحسية.. بعيدا عن الأكل والشـرب والجنس والحياة المترفة يعجز الذهن الهمجي عن تصور السعادة. هكذا ترى الأثرياء يتلذذون بأنواع الطعام الشهي ويتباهون بقصورهم وسياراتهم الحديثة الفارهة والمجوهرات الثمينة التي ترتديها زوجاتهم لكنهم لايقرأون الأدب ولا يشاهدون البالية أو الأوبرا، وهم لا يفهمون كيف يدفع شخص مبلغا كبيراً من حر ماله ليشتري لوحة من الفن التشكيلي أو يقضي السهرة في حفل للموسيقي الكلاسيك.
·      المجتمع الهمجي لا يعتبر الفرد مسئولا عن أفعاله فقط لكنه مسئول أيضا عما يفعله أي فرد في طائفته أو أسرته أو بلده. إذا اغتصب شاب مسيحي فتاة مسلمة في قرية فإن المجتمع الهمجي يعتبر أن كل المسيحيين في القرية مسئولون عن جريمة الاغتصاب وبالتالي تبدأ موجة من الاعتداءات على أملاك المسيحيين وأرواحهم. وإذا ارتكب الجيش الأمريكي جرائم في العراق فإن المجتمع الهمجي يعتبر الأميركيين جميعا مسئولين عن جرائم بضعة جنود ويتقبل قتل المدنيين في أمريكا بهجمات إرهابية كعقاب عادل.
·      والكلام متصل يضيف علاء الاسوانى في المجتمع الهمجي لا يطبق القانون على الجميع. إن شخصية المتهم ومركزه الاجتماعي وحجم ثروته وعلاقته بالسلطة، تكون كلها عوامل مؤثرة في تنفيذ القانون أو تعطيله.. القانون في المجتمع الهمجي ليس أداة لتحقيق العدل وإنما هو سلاح في يد السلطة، تستعمله للتنكيل بخصومها وتعطله ليفلت أنصارها من العقاب.. هذا الاستعمال الانتقائي للقانون سرعان ما ينتقل من السلطة إلى الناس فتتعطل عندهم المعايير الموضوعية وتشيع بينهم المحسوبية والوساطة والرشوة باعتبارها تصرفات عادية ومقبولة.
كتب صاموئيل هنتينجتون ، في مقالته التي نشـرها عام 1993 بعنوان صراع الحضارات، مؤداها أنّ "المصدر الأساسي للنزاعِ هو الاختلافات الثقافيةِ و من ثم فان الصـراع لَنْ يَكُونَ أيديولوجياً أو اقتصادياً. فاختلاف الثقافات هو مصدر الانقسامات العظيمة بين الأمم، ولذلك فان النزاعِ سيكون ثقافياً".
  أرى الآن أننا فى صراع حضارى كبير و الان الحضارة المسيطرة هى الحضارة الغربية بكل منتوجاتها، و سواء اتفقنا معها ام إختلفنا،  أفرزت ثقافتها و بواسطة اعلامها غزت الشعوب وفرضت ثقافتها، الكثير من المتفقين معها انها تبنت القيم اللبرالية و حقوق الانسان و هذا يتعارض فكراً و مبداً مع الانسان الهمجى الذى يرى ان القبيلة او العشيرة هى الأصل.
و أشار مالك بن نبى بأن  المجتمع لا يعرف الاستقرار إلاّ بالفاعلية الثقافية، ولا تتحقق الفاعلية الثقافية فيه، إلا بالممارسة والحقن الحضاري. وأيّ تقاعسٍ في عملية الزرع الثقافي الدؤوب في مسيرة و بنية وعمق المجتمع ستجعل من المجتمع مجتمعاّ متخلفاّ، بدائياّ تسوده الهمجية ويحيا بالتخلف والفوضى.
لعل هنالك سؤال يتبادر الى الذهن، و هو كيفية القضاء على السلوك الهمجى، لأن الهمجية فكرة و أسلوب حياة،  ولعله من الأوفق كإطار عام يمكن عمل  الآتى:
·      تبنى مكونات الحضارة  كما اشير اليها سابقا وهى تحسين الموارد الاقتصادية، النظم السياسية، القيم و الاخلاق ، ممارسة العلوم والفنون.
·      الالتزام بمقاييس التحضـر و الرقى الإنسانى بتطوير  أساليب كسب العيش و تنمية أشكال العلاقات الاجتماعية.
·      الممارسات اليومية الرافضة للأفكار الهمجية و  المفضية لتكوين مجتمع العدالة و الحرية ، و العدالة فى مفهومها بأنها  التطبيق النزيه المتساوى للقانون.
·      نشـر الوعى و الثقافة مسئولية كل فرد و ذلك برفض إستمرار الأخطاء والظلم حتى و لو وقع على غيرنا لأنه حتما سيقع علينا لاحقاً إذا لم نرفضه الأن.
·      تبنى قيم المساواة و نبذ الإنغلاق و فتح الباب أمام الأراء الجديدة وتقبلها حتى و لو كنا مختلفين معها فكرياً بإعتبارها حق اصيل لصاحب الفكرة بأن يفكر وي طرح أفكاره.

تلك كانت بذرة فى موضوع كبير و أنا موقن بأن هنالك الكثير من الأفكار يمكن إضافتها للمكتوب خاصة الجزئتين الفرق بين الحضارة و الهمجية و كيفية القضاء على الهمجية.


  
المراجع:
-       ويكابيديا
-       معجم المعانى الجامع
-       مقال "الهمجية والحضارة" احمد صالح الفقيه
-       محاضرة الكاتب علاء الاسوانى .. الحضارة و الهمجية
-       المفكر مالك بن نبي

No comments:

Post a Comment